هل بمقدور الانسان على نحو ما أن يتنبأ بمصيره .. ؟
الاجابة طبعا بالنفي .فنحن نعيش ونموت بغير أن نعرف ما سوف يحدث في المستقبل . بل ان الخوف من تقلبات الدهر وغدر الزمان ربما شكل الرعب الأكبر للانسان منذ بدء الخليقة .وبالرغم من هذه الحقيقة فأنا على يقين أن بعض الناس قد أوتوا القدرة على الاحساس بما سوف يحدث لهم في المستقبل . ألحت على هذه الفكرة وأنا أطالع اللوحات الجميلة التى أبدعتها ريشة الفنانة الشهيدة نهر أسامة البحر . اللوحات التى رسمتها تنم عن موهبة تشكيلية أصيلة وخارقة ، لكنها أيضا تعكس قلقا كونيا وتطرح أسئلة عن الوجود.. الوجوه التى أبدعتها ريشة نهر البحر ، على روعتها ودقة ملامحها ، تعكس جميعا أرواحا قلقة وأذهانا متوجسة منهكة . البشر في لوحات نهر البحر جميعا يبدون وكأنهم يعانون من هم ثقيل جاثم لا قبل لهم به ، وكأنهم يحاولون عبثا أن يهربوا بنظراتهم الحزينة من مواجهة قدر يتربص بهم بقسوة بينما هم لايملكون الا الاذعان له .. .. وفي أحد الاسكتشات الرائعة يطالعنا وجه امرأة يفيض بالألم الانساني بينما تتساءل .. هل يدوم هذا العذاب الى الأبد .؟ تساءلت وأنا أطالع اللوحات : كيف عرفت نهر كل هذه الآلام ..؟ أين التقت بهؤلاء البؤساء الذين تحفل بهم لوحاتها . انها ابنة الطبقة المتوسطة العليا وقد عاشت دائما حياة رغدة في أسرة سعيدة تكاد تكون بلا هموم . بين أب مثقف فنان وأم محبة وظروف اجتماعية واقتصادية مريحة . فكيف تسرب هذا القلق الى وجدان هذه الفتاة التى لم تعرف الشقاء أو البؤس في حياتها . أين تعرفت نهر الى الحزن ؟.هل كانت تدرك في أعماق قلبها أن حياتها قصيرة . وأن القدر يدخر لها ذلك المصير .ظل السؤال يراودنى حتى قرأت النصوص القليلة التى سجلت فيها خواطرها فتأكد ظني . لقد كتبت نهر بخط يدها :.
." ان الجسد ، الذي تلح علينا غرائزه وشهواته ، ما هو الا سجن يحيط بالروح ويكاد يخنقها ، ان هذا الجسد مهما بدا صلبا لكنه لايلبث أن يتهاوي لتنطلق الروح الى النور الأزلي ..الى الحقيقة الأولى ".
أليس غريبا أن تنشغل فتاة في العشرينيات بتأمل أسرار الموت والحياة ...؟ أستطيع أن أؤكد الآن أن الشهيدة نهر أسامة البحر لم تكن مجرد فنانة شابة موهوبة . بل ان الله سبحانه وتعالى قد وهبها درجة من الشفافية والنقاء استطاعت بها أن تستشرف آفاق حياتها القصيرة . كانت تحس على نحو غامض مؤكد ، بأنها لا تنتمي الى عالمنا وأنها لن تبقى بيننا طويلا . لم يكن يشغلها كل ما يلهث الناس ويتصارعون لتحقيقه من مجد ومال وشهرة . كانت تعلم أنها زائرة وأن الزيارة قصيرة .
وكأنها بكل ما تحمله من رقة ونقاء وبراءة لم تكن لتستطيع أن تتحمل طويلا كل هذا القبح والكذب والنفاق والشر . و قد حاولت بفنها أن تسجل دهشتها الملائكية ، حاولت أن تطلعنا في مرآة الابداع على صورتنا ، لنرى كيف نتحول في صراعنا اليومي البائس من أجل المصالح الصغيرة الى كائنات كابوسية قبيحة وشريرة .. لقد انتهت زيارة نهر الى عالمنا وكان لابد أن تعود من حيث أتت . والحق أننا بوفاتها لم نفقد فقط ابنة ولاصديقة ولا فنانة موهوبة . انما فقدنا شخصية متفردة في انسانيتها ورقتها . لقد تعلمنا من حياة نهر القصيرة وابداعها المدهش ..أن الحدس أقوى من الادراك ، والموهبة أقوى من التلقين والبصيرة أقوى من البصر والقلب أقوى من العقل والفن أقوى من الموت . وتعلمنا من موتها أن المصريين جميعا يعيشون بالصدفة ويموتون أيضا بالصدفة . لقد أفقنا بموتها المفاجيء على الحقيقة المفرطة في القسوة .. اننا نعيش في بلاد محتلة ..مصر بلد خاضع لاحتلال الطغيان الفاسد ، الذي يجثم على أنفاس المصريين وينهبهم ويقمعهم ويحرمهم من حقهم في الحياة الكريمة وقد يقتلهم في أية لحظة كما حدث للشهيدة نهر .
كل هذه المعاني جسدتها نهر بحياتها وابداعها وموتها .
ليست هذه كلمة تأبين وانما باقة ورد أقدمها الى الشهيدة نهر أسامة البحر ، أنا واثق أنها تسمعنا وترانا ، بعد أن تحررت من سجن الجسد وذهبت الى حيث النور والحقيقة ، كما كتبت ذات مرة . .
سلام عليك يانهر الجميلة ..
طبت حيثما كنت وقبلة من المحبة الخالصة على جبينك الوضاء حتى نلتقي .
الاجابة طبعا بالنفي .فنحن نعيش ونموت بغير أن نعرف ما سوف يحدث في المستقبل . بل ان الخوف من تقلبات الدهر وغدر الزمان ربما شكل الرعب الأكبر للانسان منذ بدء الخليقة .وبالرغم من هذه الحقيقة فأنا على يقين أن بعض الناس قد أوتوا القدرة على الاحساس بما سوف يحدث لهم في المستقبل . ألحت على هذه الفكرة وأنا أطالع اللوحات الجميلة التى أبدعتها ريشة الفنانة الشهيدة نهر أسامة البحر . اللوحات التى رسمتها تنم عن موهبة تشكيلية أصيلة وخارقة ، لكنها أيضا تعكس قلقا كونيا وتطرح أسئلة عن الوجود.. الوجوه التى أبدعتها ريشة نهر البحر ، على روعتها ودقة ملامحها ، تعكس جميعا أرواحا قلقة وأذهانا متوجسة منهكة . البشر في لوحات نهر البحر جميعا يبدون وكأنهم يعانون من هم ثقيل جاثم لا قبل لهم به ، وكأنهم يحاولون عبثا أن يهربوا بنظراتهم الحزينة من مواجهة قدر يتربص بهم بقسوة بينما هم لايملكون الا الاذعان له .. .. وفي أحد الاسكتشات الرائعة يطالعنا وجه امرأة يفيض بالألم الانساني بينما تتساءل .. هل يدوم هذا العذاب الى الأبد .؟ تساءلت وأنا أطالع اللوحات : كيف عرفت نهر كل هذه الآلام ..؟ أين التقت بهؤلاء البؤساء الذين تحفل بهم لوحاتها . انها ابنة الطبقة المتوسطة العليا وقد عاشت دائما حياة رغدة في أسرة سعيدة تكاد تكون بلا هموم . بين أب مثقف فنان وأم محبة وظروف اجتماعية واقتصادية مريحة . فكيف تسرب هذا القلق الى وجدان هذه الفتاة التى لم تعرف الشقاء أو البؤس في حياتها . أين تعرفت نهر الى الحزن ؟.هل كانت تدرك في أعماق قلبها أن حياتها قصيرة . وأن القدر يدخر لها ذلك المصير .ظل السؤال يراودنى حتى قرأت النصوص القليلة التى سجلت فيها خواطرها فتأكد ظني . لقد كتبت نهر بخط يدها :.
." ان الجسد ، الذي تلح علينا غرائزه وشهواته ، ما هو الا سجن يحيط بالروح ويكاد يخنقها ، ان هذا الجسد مهما بدا صلبا لكنه لايلبث أن يتهاوي لتنطلق الروح الى النور الأزلي ..الى الحقيقة الأولى ".
أليس غريبا أن تنشغل فتاة في العشرينيات بتأمل أسرار الموت والحياة ...؟ أستطيع أن أؤكد الآن أن الشهيدة نهر أسامة البحر لم تكن مجرد فنانة شابة موهوبة . بل ان الله سبحانه وتعالى قد وهبها درجة من الشفافية والنقاء استطاعت بها أن تستشرف آفاق حياتها القصيرة . كانت تحس على نحو غامض مؤكد ، بأنها لا تنتمي الى عالمنا وأنها لن تبقى بيننا طويلا . لم يكن يشغلها كل ما يلهث الناس ويتصارعون لتحقيقه من مجد ومال وشهرة . كانت تعلم أنها زائرة وأن الزيارة قصيرة .
وكأنها بكل ما تحمله من رقة ونقاء وبراءة لم تكن لتستطيع أن تتحمل طويلا كل هذا القبح والكذب والنفاق والشر . و قد حاولت بفنها أن تسجل دهشتها الملائكية ، حاولت أن تطلعنا في مرآة الابداع على صورتنا ، لنرى كيف نتحول في صراعنا اليومي البائس من أجل المصالح الصغيرة الى كائنات كابوسية قبيحة وشريرة .. لقد انتهت زيارة نهر الى عالمنا وكان لابد أن تعود من حيث أتت . والحق أننا بوفاتها لم نفقد فقط ابنة ولاصديقة ولا فنانة موهوبة . انما فقدنا شخصية متفردة في انسانيتها ورقتها . لقد تعلمنا من حياة نهر القصيرة وابداعها المدهش ..أن الحدس أقوى من الادراك ، والموهبة أقوى من التلقين والبصيرة أقوى من البصر والقلب أقوى من العقل والفن أقوى من الموت . وتعلمنا من موتها أن المصريين جميعا يعيشون بالصدفة ويموتون أيضا بالصدفة . لقد أفقنا بموتها المفاجيء على الحقيقة المفرطة في القسوة .. اننا نعيش في بلاد محتلة ..مصر بلد خاضع لاحتلال الطغيان الفاسد ، الذي يجثم على أنفاس المصريين وينهبهم ويقمعهم ويحرمهم من حقهم في الحياة الكريمة وقد يقتلهم في أية لحظة كما حدث للشهيدة نهر .
كل هذه المعاني جسدتها نهر بحياتها وابداعها وموتها .
ليست هذه كلمة تأبين وانما باقة ورد أقدمها الى الشهيدة نهر أسامة البحر ، أنا واثق أنها تسمعنا وترانا ، بعد أن تحررت من سجن الجسد وذهبت الى حيث النور والحقيقة ، كما كتبت ذات مرة . .
سلام عليك يانهر الجميلة ..
طبت حيثما كنت وقبلة من المحبة الخالصة على جبينك الوضاء حتى نلتقي .
No comments:
Post a Comment