الكلمة التى القاها المهندس/اسامة البحر امام جمهور الحاضرين بمقر مركز الجيزويت الثقافى بالفجالة- مساء الاربعاء 26/10/2011 فى الحفل الذى اقيم تكريما لروح شهيد الثورة الشاب /مينا دانيال بماسبيرو فى 9/10/2011 رحمة الله وتكريما لارواح كل شهداء الوطن.....

Saturday 8 March 2008

عبد الحليم قنديل...صدمة البحر

كتب عبد الحليم قنديل
أى كلمات ممكن أن يقولها المرء للصديق الفنان التشكيلى أسامة البحر وقد فقد زوجته وابنتيه فى حادث انهيار عمارة لوران بالإسكندرية ؟! انتهى ضحية لظلم فوق الطاقة ، أسر قلوب الناس بأخلاقه الدمثة وحساسيته الرقيقة ، وتحول فجأة إلى ما يشبه حطام رجل ، وهو الذى قضى سنين عددا يبحث فى مصر عن كل نقطة ضوء ، ويجمع الفراشات فى ألبوم ، ويجمع التفاصيل والصور، ويصدر أجندة سنوية بالألوان عن شخصيات تصنع الحياة ، فلم تعطه الدنيا سوى كأس موت مرير ، وكأن من حظ الذى يفعل الخير أن يلاقى الشر ، فهل يمكن لقلب الفنان أن يحتمل كل هذا الهم ؟، ربما ليس من حل آخر ، فمصر التى يحبها أسامة غير مصر التى نعرف ، مصر التى نحبها تحت الأنقاض ، وربما لا يستنقذها الحب بقدر ما يستعيدها الفعل ، ربما لا تستعيدها المحبة بقدر ما هى فى احتياج لمن يكره القتلة ، فثأر أسامة فى أسرته التى ّهبت فى غمضة عين ، والتى ماتت فى لحظة رعب ، وفقدت سكينتها بسكين الغدر ، ثأر أسامة ليس- فقط- مع صاحبة العمارة التى ازالت أعمدة الطابق الأول ، وليس -فقط- مع مهندس التنظيم المحبوس فى حى شرق، ولا مع ركام الموظفين والسيد المحافظ الذين أعطوا الضمير أجازة ، وتفرغوا لرعاية النهب العام ، وتخلفوا عن تنفيذ قرارات صدرت بإزالة 6500 عمارة آيلة للسقوط بالإسكندرية ! والحجة ! عدم توافر مساكن بديلة ، وفقر الناس الذين يعتصمون ببيوت هى أكوام تراب ، ويفضلون لقاء الموت مستورين على الذهاب للشارع مشردين ، فماذا كان يمكن أن يفعل أسامة ؟! وهو الفنان البرئ الذى يحترم القانون ؟ ويحلم بمصر جميلة نظيفة مبرأة من كل عيب ؟ ولم يقل له أحد إن الحلم عيب ، وإن كونك مصريا لا يتيح لك ترف الأحلام ، وكيف تحلم وألف سحابة سوداء تفصلك عن زرقة السماء الصافية ؟! كيف تحلم والسياف فوق رقبتك ، كيف تحلم وعمارات البلد كلها مهددة بانهيار، كيف تحلم والبلد كله على حافة موت مستعجل ؟! إن لم يكن من خوف القهر فمن خوف الفقر ، إن لم يكن فى قسم شرطة ففى المعتقل ، إن لم يكن بالغرق فبالمرض ، إن لم يكن فى قطار أو ميكروباص أو معدية ، فإن الموت - على أى حال - يتمتع بخدمة التوصيل للبيوت ، كيف تحلم وأنت تعيش فى بلد تحول إلى عزبة ؛ تسرقه العائلة ، ويسرقه الأصدقاء والمماليك ، ويتعاملون مع الشعب المصرى كنفايات بشر ، ويستقبلون موت المصريين كأحلى الأخبار ، ولا مانع عندهم من موت الآلاف والملايين خفضا للنسل ، لا مانع عندهم من موت المصريين خلاصا من عبء ومناظر سوء لا يحبها المليرديرات الجدد، ولا مانع عندهم من أن يحكموا خرابة ما دامت الشيكات محفوظة فى خزائن سويسرا ، وقد اغتالك الموت يا أسامة فى أعز ما تملك ، اغتالك الموت فى “منى” و “ندى” و “نهر” ، وترك لك بقع الدم بدلا من بقع الضوء التى كنت تحتفل بها ، ربما لأنك لا تحمل سيفا بل حملت الريشة ، ربما لأنك لم تصرخ ؛ واكتفيت بابتسامة الموناليزا …

الدستور
السبت 29 ديسمبر 2007

No comments: