الكلمة التى القاها المهندس/اسامة البحر امام جمهور الحاضرين بمقر مركز الجيزويت الثقافى بالفجالة- مساء الاربعاء 26/10/2011 فى الحفل الذى اقيم تكريما لروح شهيد الثورة الشاب /مينا دانيال بماسبيرو فى 9/10/2011 رحمة الله وتكريما لارواح كل شهداء الوطن.....

Monday 10 March 2008

كلمة د.أحمد الخميسي..ثلاث زهور

هل حدث لك أنك رحت تتذكر شخصا لم تلتق به أبدا ؟ هل حدث لك ذلك؟ شخص لم تره قط، لكنك تتذكره ، تتذكره مرة وأخرى؟ تتذكره إلي أن تعرفه وتألفه ، فتشتاق إليه، وتتذكره؟

هذا ما حدث لي مع ثلاث زهرات لم أر واحدة منهن قط ، لكنني أتذكرهن ، زهرة ، زهرة ، وأضيق عيني أحدق في الظلام فأرى كل واحدة منهن كأنما تسبح نحوي كشمعة على سطح قلب ، منيرة ومؤلمة

ولنبدأ من تعرفي إلي الأستاذ أسامة البحر بفضل الصديق الروائي علاء الأسواني الذي قدمه إلي بصفته صديقا محبا للثقافة والأدب ، كما أنه القائم على ندوة " الأسواني " الأسبوعية التي تناقش الأعمال الفنية المختلفة . وكان في شخص أسامة البحر وفي وجهه وملامحه وطريقته وهو يصافح الآخرين شيئا مهذبا بعمق تستعيد معه عبارة الكاتب الروسي العظيم أنطون تشيخوف : " كل شيء في الإنسان يجب أن يكون جميلا : وجهه ، وملابسه ، وروحه ".
وانقضت على تعارفي بأسامة البحر فترة ، بادر خلالها إلي دعوتي لمناقشة مجموعتي القصصية " قطعة ليل " في الندوة ، وأدهشتني قدرته على تنظيم الندوة ، ولعلها الملتقى الثقافي الوحيد الذي حضرته فوجدت أن المشاركين جميعا قد استعدوا للنقاش بقراءة المجموعة بتدوين الملاحظات مسبقا!

وحدث ذات مرة أن كنت في دار ميريت بشارع قصر النيل ، وبينما أنا أفتح باب الشقة
لأنصرف فوجئت بأسامة البحر ينزل على الدرج من طابق أعلى ، ودهشت ، فقال لي إنه يسكن مع أسرته الكريمة في العمارة نفسها ، وحدثني ونحن – نهبط السلالم معا - عن الأسرة وأحواله وظروف عمله وحياته التي تجبره على التنقل بين القاهرة والإسكندرية، وكلمني بمحبة خاصة عن ابنته نهر التي تعشق الفن التشكيلي ، ثم دعاني بكرم لشرب فنجان قهوة في بيته، لكني كنت في عجلة من أمري فاعتذرت بأمل أن يكون لنا لقاء آخر أسعد فيه بالتعرف إلي أسرته. تصافحنا ثم انصرف كل منا في طريق ، مشيت وأنا أقول لنفسي : ها هو إنسان مهذب ، مرتاح الضمير ، يحيا بشرف ومودة ، يرعى أسرته ويكفلها من عرق جبينه ، ويجنى ثمرة ذلك فيرى كيف تنمو حياة ابنتيه أمام عينيه بسلام يوما بعد الآخر كما يراقب الإنسان نبتة غرسها وهي تكبر وتتفتح ، فما الذي ينشده الإنسان أكثر من ذلك ؟
قلت لنفسي لابد أن يكون هناك إنسان سعيد في هذا الكون يهب الآخرين بوجوده أملا في السعادة . وكانت
صورة أسامة البحر وحديثه عن أسرته منفذا يعوضني عن الطمأنينة العائلية التي حرمت منها في طفولتي.

عصر أحد الأيام تلقيت مكالمة هاتفية من الصديق أسامة ، جاءني صوته من الإسكندرية ، وقال لي : نهر تريد أن تتحدث معك . وجاءني صوت ابنته نهر يرن بالحياة والفرح وهي تقول لي : قرأت مجموعتك القصصية التي بعثت إلي بنسخة منها لكنها ليست قطعة ليل ، إنها قطعة نهار ! شكرتها ، ثم كلمني أسامة قائلا : هذه نهر !
ومع ذلك ، لم تسنح الفرصة لكي أرى نهر ، وندى ، ووالدتهما السيدة منى ، الزهرات الثلاث . وفي الخامسة مساء أحد الأيام علمت بنبأ انهيار العمارة التي هوت في الإسكندرية ، وكان آخر ما يمكن أن أتخيله أن تطوي تلك العمارة في سقوطها الزهرات الثلاث ، وأن تنزعها بتلك القسوة من الحياة ، ومن قلب أسامة البحر
رحلت ثلاث زهرات كان من الممكن أن ألتقي بهن ، وأن أتحدث إليهن ، لا عنهن . واستولى على شعور بالذنب ، لأنني أعتبر أن كل فرد فينا مسئول عن كل ما يحدث في هذا الوطن ، ولأنه حينما تنهار عمارة بسبب الفساد والرشوة ، فلابد لكل شخص أن يحس أنه مسئول ، لأننا جميعا لم نكافح الفساد والجهل والقمع بما يكفي لمنع ذلك ولمنع كوارث أخرى تهبط بلا نهاية على الكثيرين .
هزتني الفاجعة كما هزت كل من عرف أسامة البحر، وظلت وجوه الزهرات الثلاث اللواتي
لم أرهن عالقة بنفسي ، يأتي كل وجه سابحا مثل شمعة على قلب ، منيرا ، ويقطر باللهب ، الوجوه التي لم ألتق بأصحابها ولم أرها . قلت لنفسي : لو أنني التقيت بها ، لأمكن أن أنحيها قليلا بعيدا عن ذاكرتي ، لأن الإنسان قادر على أن ينحي ويبعد ما يراه ، لكن كيف يمكن التخلص مما لا نراه ؟

لقد أنشأ أسامة البحر هذا الموقع لإحياء ذكرى السيدة منى ، ونهر ، وندى ، ويخطر لي الآن
أن عليه ، بهذا الموقع ، أن يغدو صوتا للدفاع عن ضحايا العمارات المنهارة ونشر الإحصائيات التي ترصد عدد تلك العمارات ومشاكل السكن ، وصوتا للدفاع عن سكان العشوائيات حين يتم ترحيلهم بالقوة ، والدفاع عن حق الجميع في سكن آمن خاصة الشباب منهم

لم يعد أمام أسامة البحر وقد فارقته زهراته الثلاث إلا أن يحمي الزهور كلها

د.أحمد الخميسي

2 comments:

raspoutine said...

دى اول زيارة والظاهر انى اول تعليق
كنت عايز اعبر عن اعجابى بالمدونة
تحياتى

klmat said...

ربنا يرحمهم ويجعل مثواهم فى الجنه يارب
ويصبر الاستاذ / اسامه
حقيقى كان الله فى عونه صعب اوى ان يفقد
احباؤه بدون سابق انذار وفى عز شبابهم
وربنا يحميكى ويارب دى تكون اخر الاحزان
لا املك الا الدعاء لهم ولكل من استشهد بالمغفره والجنه والصبر لاهاليهم
بارك الله فيكى